dimanche 14 juin 2015

ردا على افتعال صراعات بين المالكية والاباضية : هذه حقيقة الاباضية والمعتزلة وعلاقتهم بالمالكية


ردا على افتعال صراعات بين المالكية والاباضية :  هذه حقيقة الاباضية والمعتزلة وعلاقتهم بالمالكية

  • الاباضوين ثاروا ضد ظلم الحكام الامويين وضد الحجاج
  • علماء الاباضية الاقرب الى الامام مالك بن انس
  • دولة بني رستم وحدت المغرب الكبير من طرابلس الى وهران
  • المعتزلة والتيارات العقلانية ازدهرت في المغرب الكبير
بقلم الدكتور عثمان سعدي
تونس مغرب نيوز
عادت بعض المافيات التي تحاول تفجير مزيد من الدول العربية والاسلامية ـ خدمة لاجندات استعمارية جديدة ـ الى محاولة افتعال صراعات بين ” الاقليات ” اللغوية والعرقية والمذهبية من بينها ” الاقلية الاباضية” في الجزائر وليبيا ـ وربما قريبا تونس والمغرب ـ مع الغالبية المالكية .
في هذه المختارات من قمال الدكتور عثمان سعدي تعريف بنشاة الاباضية في المشرق والمغرب و الفرق بينها وبنين ” الخوارج” …الى جانب الكشف عن صفحات مضيئة تؤكد تعايش المعتزلة والاباضية والمالكية وكل المذاهب في العالم الاسلامي وخاصة في بلدان شمال افريقيا ـ المغرب الكبيرـ حيث اسس الاباضية دولتان استمر نفوذ احداها قرنا ونصف..
وهذه الدراسة تؤكد ان التعدد الثقافي والمذهبي عنصر اثراء وليس نقطة ضعف في التاريخ الاسلامي .. كما تكشف التاصيل الفقهي السني لعلماء الاباضية ودورهم في مقاومة استبداد الحكام الامويين والحجاج وغيرهم “:
ما كتب في كثير من الكتب المدرسية عن الأباضية والأباضيين ظلم لهذا المذهب وملايين من اتباعه ، وانعكاس لجهل الكثير عن تاريخ الجزائر، المليء بالدس الذي سربه المستشرقون الفرنسيون في إطار إحداث الفرقة بين الجزائريين. وقد رأيت أن أنقل ما كتبته عن الأباضية والدولة الرستمية في كتابي بعنوان [ الجزائر في التاريخ ] والذي هو تحت الطبع
. ثورة الأباضيين على ظلم الأمويين:
ولّدت سياسة حلفاء بني أمية المستبدة المنافية لتعاليم الإسلام الصحيحة ردود فعل نجم عنها نشوء تيارات وأحزاب، فقد كانوا لا يطبقون نظام الشورى الذي عمل به الخلفاء الراشدون، ولم يسوّوا بين الناس، وبذّروا خزينة الدولة والمال العام في الشهوات والإنفاق على الأتباع ؛ فنشأت في العراق أحزاب تنادي بتطبيق تعاليم الإسلام المؤسسة على المساواة والعدل، واتِّباع الشورى لاختيار الإمام، فظهرت الإباضية تنسب إلى الداعية عبد الله بن إبّاض المري التميمي.
ومن أئمتها أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي العُماني، الذي يعتبر المؤسس الفعلي للإباضية، وكان من أكبر علماء عصره بالشريعة والفقه، متبحرا في أصول الفقه، تتلمذ على العديد من الصحابة، فقال مفتخرا: ” أدركت سبعين رجلا من بدر، فحوينا ما عندهم من العلم إلا البحر الزاخر [ ويعني عبد الله بن عباس]” .
مالك بن أنس يشيد بمؤسس المذهب الأباضي:

وكان ابن عباس يمتدح علم جابر بن زيد فيقول: “إسألوا جابر بن زيد، فلو سأله من بالمشرق والمغرب لوسعهم علما”. ولما توفي جابر عبر مالك بن أنس عن خسارة الإسلام بفقده فقال: مات اليوم أعلم من في الأرض”. [ 1 ] .
اضطهد الأمويون جابر بن زيد ، ونفاه الحجاج بن يوسف إلى عُمان، لكنه عاد إلى البصرة وظل يعمل لإنشاء الجمهورية الإسلامية العادلة إلى أن توفي سنة 113 هـ . وخلفه تلميذه أبو عبيدة مسلم على إمامة الإباضية ، فسجنه الحجاج مع بعض علماء الإباضية ، ثم أفرج عنه في عهد سليمان بن عبد الملك، وعندما اقتنع بأن المشرق مسيطر عليه من الأمويين الذين لا يسمحون للمذهب بالانتشار فاختار أحد تلاميذه هو سلمة بن سعد بعثه إلى المغرب الذي كان يرى فيه أمل انتشار الإباضية.
وما أن وصل ابن سعد لِسرت بليبيا حتى راح المذهب ينتشر بقوة بين القبائل البربرية التي كانت ساخطة على ولاة الأمويين والعباسيين. واتجه علماء إباضيون للبصرة لينهلوا من العلم هناك، وهم: عبد الرحمن بن رستم الفارسي، وعاصم السدراتي، وأبو دواود القبلي النفزاوي، وإسماعيل بن ضرار الغدامسي، وانضم إليهم عند أبي عبيدة أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري اليمني، اختاره أبو عبيدة لرئاسة الدولة الإباضية. وعاد العلماء الخمسة للمغرب بعد خمس سنوات قضوها في نهل العلم بالبصرة.
لا تصنف الأباضية من الخوارج، بل إن الخوارج انفسهم لدى انطلاقهم ثاروا على الظلم، يقول المؤرخ المصري حسن إبراهيم : “إن قيام الخوارج من البربر في وجه العباسيين لم يكن خروجا على الدين ، بل كان خروجا على السلطة الحاكمة وعلى ظلم الولاة” [ 2 ] .
ولم تكن هذه الدولة بربرية بل مسلمة، فقد حوربت من بعض القبائل البربرية كقبيلة لواتة.

محاربة الأباضيين للخوارج المتطرفين:
أعلن قيام الدولة الإباضية سنة 140 هـ ، وبويع أبو الخطاب إماما في طرابلس وسيطرت الدولة على مساحة بالمغرب بين طرابلس والقيروان وفزان. وسعد الناس بعدلهم ونزاهتهم وحسن سلوكهم. اختار أبو الخطاب زميله في العلم عبد الرحمن بن رستم قاضيا في طرابلس. وعندما احتلت قبيلة ورفجومة الصّفرية الخارجية المتطرفة القيروان وارتكبت بها المناكر بكى أبو الخطاب وهاجمهم بجيش سنة 141 هـ وهزمهم وشتت شملهم، وقتل قائد جيشهم الجعدي، وحرر القيروان من الصفريين، وامتد انتشار الإباضية حتى مدينة وهران.
في سنة 142 هـ وصل جيش العباسيين بقيادة أبو الأحوص العجلي، فاشتبك به أبو الخطاب في غدامس فهزم أبو الأحوص الذي عاد بفلول جيشه لمصر. وجمع أبو جعفر المنصور جيشا قويا وضع على رأسه محمد بن الأشعث الخزاعي عامل العباسيين بمصر وعينه واليا على المغرب. ولما شاهد قوة الجيش الأباضي استعمل الحيلة فتظاهر بالانسحاب نحو مصر ، لكنه عاد وهاجم على غرة معسكر أبي الخطاب في تاورغا سنة 144 هـ فهزم الإباضية وقتل أبو الخطاب. وكان عبد الرحمن بن رستم متجها لنجدة أبي الخطاب وعندما علم باستشهاده ، تراجع واتجه نحو المغرب الأوسط. وكون:الدولة الرستمية بتاهرت:
تعتبر هذه الدولة التي أسسها الأباضيون أعظم دولة في تاريخ الجزائر. بنيت على العدل واتصف خلفاؤها بالنزاهة الراشدية، ودام حكمها قرنا ونصف قرن من 144 هـ وحتى 296 هـ ..
وسيطرالأباضيون على المغرب العربي من طرابلس وحتى وهران.

جمع المال بالمشرق لدولة تاهرت:
انتشر دعاة الإباضية بالمشرق منطلقين من البصرة يجمعون المال للدولة الإباضية بتاهرت. وتحرك وفد كبير يحمل أحمالا هامة من المال نحو المغرب الأوسط، ووصلوا تاهرت ونزلوا بالمصلى، فأناخوا جمالهم ودخلوا تاهرت من باب الصفا، ودلهم الناس على دار عبد الرحمن، ” فوجدوا عند بابها غلاما يعجن طينا، فيناوله رجلا على سطح الدار يصلح شقوقا فيه، فسلموا على الغلام، فرد السلام. فقالوا : أهذه دار الإمام؟ ـ تعجبا من بساطتها، وظنا ألا تكون هي دار الإمام، ، إذ كانوا يتوهمون أن يجدوا داره قصرا منيفا ـ فقال الغلام : نعم. فقالوا له : استأذن لنا منه، وأعلمه إنّا رسل إخوانه إليه من البصرة. فرفع الغلام رأسه إلى سيده، وقد علم أنه سمع كلامهم.
فقال : قل للقوم يصبرون قليلا . ثم أقبل على ما كان من إصلاح السطح حتى انقضى، والقوم ينظرون إليه، وهم شاكون فيه، هل هو صاحبهم أم لا. فنزل من سطحه إلى داره ، فغسل ما كان بيديه من أثر الطين ، ثم توضأ وضوء الصلاة ، فأذن للقوم فدخلوا عليه ، فوجدوا رجلا جالسا على حصير فوقه جلد ، وليس في بيته سوى وسادته وسدته التي ينام عليها وسيفه ورمحه ، وفرس مربوط في ناحية من داره .
فسلموا عليه ، وأعلموه أنهم رسل إخوانه إليه . فأمر غلامه بإحضار طعامه ، فأتاه بمائدة عليها قرص ساخن وسمن وشيء من ملح .
فأمر بذلك القرص فهشم ، وأمر بالسمن فلت به. ثم قال : على اسم الله ادنوا وكلوا ، فأكل معهم . فلما انقضى طعامهم ، جدد الترحيب بهم ، فسالهم ما مرادكم ؟ وما جاء بكم ؟ فقالوا له : نريد أن تأذن لنا فنخلو بأنفسنا ، ثم نكلمك بعد ذلك ، فقال : افعلوا. فنهض لتواضعه ، فأخلى لهم المجلس، فجلسوا نجيا ، فقال بعضهم لبعض : يكفينا من السؤال عنه ما رأيناه منه من إصلاحه لداره بنفسه ، ومطعمه وملبسه وحلية بيته ، فما نرى إلا أن ندفع إليه المال ، ولا نشاور أحدا فيه.
وكان الذي معهم ثلاثة أحمار من المال ، ست غرائر ، فأجمع رأيهم على حمل المال إليه”. [ 3 ] .
ثم أبلغوه بأمر مساعدة إباضية المشرق له في تمكين دولته بهذا المال . جمع ابن رستم مجلس الشورى من وجوه القبائل في المسجد الجامع، فعرض عليهم المعونة فقرروا قبولها، على أن يقسم المال على ثلاث حصص : ثلث للكراع[أي الاقتصاد] ، وثلث للسلاح ، وثلث للفقراء.ذ

تعمق الأباضيين في الثقافة العربية:
انتشرت فلسفة المعتزلة في قبيلة زناتة البربرية، وكان الوصاليون يؤلفون حزبا قويا في تاهرت، ويقدر ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان عدد المعتزلة شمال تاهرت بثلاثين ألفا، وأنهم كانوا يعيشون في بيوت كبيوت الأعراب بحملونها [ 4 ] .
إن وجود مذهب المعتزلة الفلسفي بين البربر دليل على أن البربر سرعان ما اندمجوا في الثقافة العربية الإسلامية، وتعمقوا في عمقها الفلسفي، وهذا يؤكد عروبة البربر وانهم عرب عاربة. والمعتزلة مذهب فلسفي سياسي يرتكز على خمسة مبادئ: القول بالتوحيد، والقول بالعدل، والقول بالوعد والوعيد وهو أن الله صادق وعده ووعيده لا يغفر لمرتكب الكبيرة إلا بعد التوبة، والقول بالمنزلة بين المنزلتين وهو أن صاحب الكبيرة ليس بمسلم ولا بكافر لكنه فاسق، والقول بالمعروف والنهي عن المنكر وهو تكليف المؤمنين بالجهاد وإقامة حكم الله على كل مخالف أمره أو نهيه، سواء كان كافرا أو كان فاسقا” . [ 5 ]
ويقول المستشرق نيبرج : “إن المعتزلة هم الذين أسسوا علم اللاهوت، بمناظرتهم فلاسفة الوثنيين واختلاسهم أسلحتهم من أيديهم عند ذلك، كذلك أوجدت المعتزلة كلام الإسلام وأسسته” [ 6 ] .
لقد تعمدت أن أسوق هذه الأمثلة التي تؤكد أن مذهب المعتزلة فلسفي أكثر منه سياسي، لأثبت أن البربر اندمجوا في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي، لدرجة أنهم تجاوزوا المذاهب السياسية إلى المذاهب الفلسفية، وهذا يشير إلى تمكنهم من الثقافة العربية الإسلامية، فصاروا يفهمون بل ويتمثلون الأفكار الفلسفية التي تعتبر أعمق ما يوجد في الثقافات والحضارات.
قام الأمويون بالأندلس بدعم الدولة الرستمية أمام أطماع الولاة العباسيين، فكونوا علاقات قوية معها، ولم ينس أبناء عبد الرحمن الداخل أن الفضل في قيام دولتهم بقرطبة يعود إلى دعم البربر أخوال عبد الرحمن الداخل. الذين استقبلوه وهو الهارب من إبادة العباسيين، فعبّروه الزقاق إلى الأندلس ونصّبوه على قرطبة. فالعباسيون أعداء لقرطبة وأعداء لتاهرت ، ولهذا فتحالفهما أمر طبيعي.
ويرى دبوز أن قيام الدولة الرستمية مكّن دولة عبد الرحمن الداخل من الرسوخ ، وأتاح له السبيل إلى الازدهار، كما أن الدولة الرستمية كانت الجسر الذي يصل دولة بني أمية في الأندلس بالمشرق الإسلامي العربي [ 7 ] .
ويقول ليفي برفنسال : “أن الإمام أفلح تلقى من مملكة الأندلس الأموية معونة هامة من المال ، قابلها الإمام بأن أرسل لقرطبة كمية هائلة من القمح، بل وتزويدها بجنود رستميين انخرطوا في الجيش الأموي، بحيث برز جنرال رستمي بين الجنرالات الأمويين وهو محمد بن رستم وهو من أحفاد عبد الرحمن بن رستم. بل إن المدعو عبد الرحمن وهو رستمي كان وزيرا لعبد الرحمن الثاني بقرطبة، ويبدو أنه أخ أو ابن للجنرال المذكور”. [ 8 ] .
وانفتحت الموانئ الأندلسية والرستمية بعضها على بعض في تبادل تجاري بين وهران والمرية وتبادل الزيارات بين علماء الدولتين وأدبائها وتجارها.

الحياة الثقافية بالدولة الرستمية:
امتازت الحياة الفكرية بالدولة الرستمية بالتسامح المذهبي والديني. وكان فقهاء الإباضية يناظرون شيوخ المذاهب الأخرى ويفسحون المجال لكل شيخ مذهب أن يدافع عن مذهبه. ويذكر ابن الصغير بأن المناظرات كانت بين فقهاء الفرق المختلفة متسمة باللباقة والملاطفة وكان الإمام أفلح عالما في الفلك والحساب كما كان شاعرا وله قصيدة يحث فيها على طلب العلم ، يقول فيها:
العلم أبقـــى لأهـل العلـم آثـارا
يريك أشخاصهم روحا وأبكــارا
حي ـ وإن مات ـ ذو علم وذو ورع
ما مات عبد قضى من ذلك أوطارا
وذو حياة على جهل ومنقصــــة
كميّت قد ثوى في الرمس إعصارا
واجعله لله لا تجعله مفخـــــرة
ولا ترائي به بدوا وأحضـــارا

ولم تقتصر الثقافة على الرجال فحسب بل شملت المرأة أيضا حيث شاركت كثير منهن في ازدهار الحركة الثقافية والعلمية، منهم أخت الإمام أفلح التي حذقت علم الحساب والفلك والتنجيم.
ومن أشهر علماء العهد الرستمي بكر بن حماد [ أبو عبد الرحمن بن أبي إسماعيل الزناتي [البربري] التاهرتي] ، ولد سنة 200هـ ، فتعلم أولا في تاهرت ، ثم سافر للقيروان فتتلمذ عل سحنون بن سعد، ثم هاجر إلى بغداد، سنة 217 هـ ، فتتلمذ على علمائها، والتقى بشعرائها المشهورين من أمثال : أبي تمام، ودعبل الخزاعي، وعلي بن الجهم، ومسلم بن الوليد، وابن الأعرابي . واتصل بخلفاء الخلافة العباسية وبأئمة تاهرت، قال عنه ابن عذاري : كان عالما بالحديث وتمييز الرجال وشاعرا مفلقا. علّم بحامع القيروان سنة 274 هـ ، تنقل إلى الأندلس وتتلمذ على يديه أدباؤها منهم قاسم البياتي. وبعد تطواف طويل عاد بكر إلى بلده تاهرت سنة 295 هـ ، وبعد أشهر أي في شوال 296 هـ توفي بقلعة بن حمة شمال تاهرت أي في نفس السنة التي سقطت فيها تاهرت ببن أيدي العبيديين الفاطميين الشيعة.

ومن شعره قوله لما غادر العراق:
وقال أيضا في التأمل في الحياة التي لا تدوم:
تبيت على فراشك مطمئنــا
كأنك قد أمنت من المعـاد
فيا سبحان من أرسى الرواسي
وأوتدها مع السبع الشـداد
الموت يهدم ما تبنيه من بذخ
فما انتظارك يا بكر بن حماد

وعندما مات ابنه عبد الرحمن رثاه بقصيدة رائعة يقول فيها:
وهوًّن وجدي أني بك لاحـــق وأن بقائي في الحياة قليل وأن ليس يبقى للحبيب حبيبــه وليس بباق للخليل خليل ولو أن طول الحزن مما يـرده للازمني حزن عليه طويل

وفي المشرق يمدح بكر بن حماد الخليفة العباسي المعتصم فيصله بصلات جزيلة، ويهجو الشاعر دعبل لهجوه المعتصم فيقول:
أيهجو أمير المؤمنين ورهطــه
ويمشي على الأرض العريضة دعبل؟
أما والذي أرسى ثبيرا مكانــه
لقد كادت الدنيا لذاك تزلـــــزل
ولكن أمير المؤمنين بفضــله
يهم فيعفو أو يقول فيفعـــــل
وعاتب الشاعر المشهور أبو تمام بكرا قائلا: قتلته والله يا بكر ، فرد عليه على وزن القصيدة:
وعاتبني فيه حبيــب وقال لــي
لسانك محذور وسمّك يقتـل
وإني وإن صرفت في الشعر منطقي
لأنصف فيما قلت فيه وأعدل
ولبكر بن حماد قصيدة في مدح علي بن أبي طالب، منها:
قل لابن ملجم والأقدار غالبــة
هدمت ويلك للإسلام أركانــا
قتلت أفضل من يمشي على قدم
وأول الناس إسلاما وإيمانــا
وأعلم الناس بالقرآن ثم بمــا
سنّ الرسول لنا شرعا وتبيانا
صهر النبي ومولاه وناصـره
أضحت مناقبه نورا وبرهانـا
وقد أشاد بتسامح الأباضيين الرستميين المذهبي المؤرخ ابن الصغير المالكي في كتابه [ ذكر بعض الأخبار في الأئمة الرستميين]. وهو مؤرخ ملكي المذهب .
ومن علماء تاهرت المتسامحة مع المذاهب والأديان العالم التاهرتي اليهودي يهودا بن قريش التاهرتي، الذي كان عالما لغويا يجيد العربية والعبرية والبربرية والفارسية والآرمية كتب في علم اللغة المقارن بين العبرية والآرامية والعربية.
أما أبو سهل الفارسي فكان يتقن البربرية وشغل ترجمانا في بلاط افلح. وقد حرر كتبا دينية بالبربرية.
الخلاصة:
إن المذهب الأباضي مذهب متسامح، صاف ، مؤسس على مبادئ حكم الأسلام كما ظهر في حكم الخلفاء الراشدين. ويذهب بعض المؤرخين العرب فيعتبرونه المذهب الخامس الذي يكمل المذاهب السنية الأربعة، وقد ورد في هذا البحث موقف الإمام مالك بن أنس من مؤسس المذهب الأباضي. أقام هذا المذهب أعظم دولة بالجزائر [المغرب الأوسط ] وهي الدولة الرستمية وعاصتها تاهرت أي تيارت. وقد كانت دولة متسامحة تعايشت فيها سائر المذاهب والملل.
وقد حارب الأباضيون الكيانات الخارجية المتطرفة كالأزارقة والصفرية. ومن أحكام هذا المذهب تحريمه للدخان أي السجاير، وتتجه الآن الإنسانية كلها إلى تحريم هذه الآفة.
إن وصف المذهب الأباضي بالخارجي خطأ يسفهه التاريخ والعلماء وعلى رأسهم مالك بن أنس يوم الشيخ بيوض: أقيم في شهر يوليو تموز 2008 بالمكتبة الوطنية الجزائرية ، يوم للشيخ علي بيّوض المصلح العلامة الميزابي الأباضي، شارك فيه نخبة من العلماء والمفكرين، وقد كان هذا المصلح مناضلا كبيرا في الحركة الوطنية. لاحظت في هذا اليوم أن المتدخلين أهملوا جانبا مهما من كفاح هذا المصلح، فتدخلت وقلت ما يلي: ” لم يثر أي متدخل جانبا من نضال هذا المصلح الكبير، وهو مواجهته للنزعة البربرية ومحاربتها .
عندما كنت طالبا في معهد عبد الحميد بن باديس بالأربعينيات ـ ااخمسينيات من القرن الماضي ، أدرك أخطر والي عام فرنسي وهو شاتينيون أن سر قوة الحركة الوطنية في وحدتها، فأصدر تعليماته بإثارة النزعة البربرية للتفريق بين العرب والبربر، وتدمير الوحدة الوطنية، وأثمرت تعليماته فيما بعد فتسربت هذه النزعة لحزب الشعب في سنة 1948 ، وواجهتها قيادة الحزب بقوة، وخير من فصل ذلك هو ابن يوسف بن خدة في كتابه [جذور أول نوفمبر 1954] , وشاركت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الرد على الحملة البربرية فكتب الشيخ البشير الإبراهيمي مقاله المشهور [عروبة الشمال الإفريقي ] الذي قال فيه قولته الرائعة:[العربية عقيلة حرة لا تتحمل ضرة]، ومن القرارة تصدى الشيخ بيوض لهذه النزعة ، وخير من عبر عن ذالك الشاعر الأباضي الميزابي الأمازيغي المناضل الكبير عيسى حمو النوري في قصيدة نشرها في البصائر سنة 1951 حفظت منها أربعة أبيات لا زالت راسخة في الذاكرة يقول:
من رائعات الشرق بيوض الذي
نسل الشمال وأنجبت ميزابُ
والعبقرية من سلالة نبتـــة
إن أُرجعت لأصولها الأعشاب
ودم العروبة في العروق مراجل
تغلي وتومض تحتها الأنساب
أكذب بما قال المدمر ضلــة
إن المدمر ساحر كـــذاب
ولهذا فلا بد من الباحثين أن يتتبعوا موقف الشيخ بيوض المناهض للنزعة البربرية. ولا بد من التفريق بين الأمازيغية ـ البربرية والنزعة البربرية، فالأولى عنصر من عناصر تاريخنا ، والثانية تيار خلقه الاستعمار القديم وطوره الاستعمار الفرنسي الجديد، لتدمير الوحدة الوطنية بالجزائر والمغرب” .
وختاما وردا على الكابب المغربي، أن شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا كاتب النشيد الوطني الجزائري أباضي مزابي، والشاعر صالح الخرفي أباضي مزابي وهو قومي عربي. إن اللغة الأمازيغية البربرية لغة عروبية تفرعت عن العربية القديمة منذ آلاف السنين مثل الآرامية والكنعانية والبابلية والأشورية وغيرها، وبما أنني أملك العربية والأمازيغية ، فقد قمت بإصدار [معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية البربرية] أثبت فيه أن كلمات الأمازيغية عربية بنسبة تسعين في المائة. كلماتها عاربة ومستعربة. هي لغة عاربة قحطانية.

* هذه الحقائق مستمدة من كتاب لي تحت الطبع عنوانه [الجزائر في التاريخ [ 1 ] أبو الربيع سليمان الباروني ، مختصر تاريخ الأباضية، ص 29 ، تونس 1938 [ 2 ] حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام ، ج 2 ، ص 207 ، القاهرة 1964 [ 3 ] المالكي [أبو بكر] ، رياض النفوس ، ص 10 ، القاهرة 1951 [ 4 ] ياقوت الحموي ، معجم البلدان، ج 2 ، ص 8 ، بيرت 1955 [ 5] الخياط المعتزلي ، كتاب الاقتصاد والرد على ابن الراوندي، ص 50 ـ 51 القاهرة 1925 [ 6 ] حسن إبراهي حسن ، ج 2 [ 7 ] محمد علي دبوز ، تاريخ المغرب الكبير ، ج 3 ، ص 350 ، القاهرة 1963 [ 8 ] E.Levi-Provençal : Histoire de L’Espagne Musulmane T1 P245-246 Paris 1950

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire